Slide Left Slide Right

المناضـــل الكـــردي أميــــن بروســــك

ســيرة المناضـــل الكـــردي أميــــن بروســــك أحـــد المشــــاركين في ث
التاريخ: Monday, August 13

مقدمة:

فيما يلي لمحة موجزة من سيرة المناضل الكردي أمين بروسك الذي كان ضابطا في الجيش العثماني وخاض غمار الحرب العالمية الأولى دفاعا عن حياض دولته أمام دول الحلفاء، وضرب بشجاعته مثلا أعلى حتى لقب ب( بروسك ) – أي الصاعقة باللغة الكردية – تقديرا لفرط شجاعته وبسالته في المعارك التي خاضها , وبعد هزيمة تركيا في الحرب الكونية الأولى التف حول مصطفى كمال ( اتاتورك فيما بعد ) وناضل معه في حرب التحرير ضد الحلفاء الذين احتلوا القسم الجنوبي من تركيا حتى تحررت تلك المنطقة من قبضتهم، وبعد أن استتبت الأمور أعلن مصطفى كمال إلغاء الخلافة الإسلامية وقيام دولة تركيا العلمانية بدلا منها. وتنكر لحقوق الكرد ، فاضطر أمين بروسك إلى الالتحاق بصفوف الثورة التي أشعل نيرانها في ديار بكر الشيخ سعيد بيران ضد الدولة الجديدة، لكن هذه الثورة أخفقت في تحقيق أهدافها، وانتهت بإعدام قادتها في ساحات ديار بكر، و فر البعض إلى الدول المجاورة ، وكان من بينهم (أمين بروسك) الذي تنقل متخفيا ما بين إيران والعراق وسورية حتى استقر نهائيا في شرقي الأردن .

سيرة حياته :

ولد ( أمين بروسك) في أواخر القرن التاسع عشر في ( ارضروم) إحدى مدن كردستان الشمالية، وهو ينتمي إلى عشيرة ( زركان) الكردية المعروفة في تلك الديار، وفي مسقط رأسه نشأ وترعرع وتلقى تعليمه في بيئة متدينة تعتنق الطريقة الصوفية النقشبندية، فكان جده ( ملا يوسف النقشبندي ) من أصحاب هذه الطريقة وله مدرسة دينية يعلم فيها علوم القران الكريم والحديث الشريف، وقد أثرت هذه البيئة الدينية على أفكاره وحياته فيما بعد .

بعد إكمال دراسته التحق بالكلية العسكرية في استنبول وبها اظهر نبوغا وتفوقا كبيرين على أقرانه من العرب والترك والكرد، وحصل على شهادتها بمرتبة الشرف الأولى, ليلتحق بعدها بصفوف الجيش العثماني برتبة ضابط ، وخلال خدمته خاض مختلف حروب الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى على مختلف الجبهات بكل شجاعة وحقق انتصارات عديدة، وتقديرا لشجاعته في تلك المعارك منح ترقيات استثنائية، ولقب بالصاعقة ( بروسك ) حتى اصبح اللقب جزءا من اسمه .

وفي أواخر العهد العثماني عين مديرا لمكتب استخبارات الشرق الأدنى في طهران .

المشاركة في حرب التحرير :

بعد هزيمة تركيا أمام الحلفاء عام 1918 واحتلالهم أجزاء عديدة منها ،عمل الضابط مصطفى كمال ( مؤسس تركيا الحديثة ) على تجميع صفوف الأتراك والكرد معا لتحرير بلاده من المحلتين، فقام بالاطلاع على سير الضباط الذين حازوا على درجات الشرف والشجاعة من الترك والكرد واستقطبهم حوله، وكان من ضمنهم (أمين بروسك)الذي عمل في المكتب العسكري، ثم اصبح من المرافقين العسكريين له .

استطاع مصطفى كمال من تجميع صفوف الشعب مستخدما العاطفة الدينية التي تجمع ما بين الشعبين الكردي والتركي، وواعدا الكرد بالحرية والاستقلال بعد تحقيق النصر، وكان يحلف لهم باغلظ الإيمان على القران الكريم بيده اليمنى، وعلى صحيح البخاري بيده اليسرى، فوثق الكرد به والقوا بكامل ثقلهم إلى جانبه، وخاضوا معه المعارك ضد اليونانيين والإنجليز والفرنسيين من قوات الحلفاء، وقد أشاد قادة الأتراك بدور الكرد الكبير في تحرير تركيا أمثال مصطفى كمال، وعصمت اينونو، وفتحي بك، وحسين بك عوني الذي أشار في خطاب له في المجلس الوطني التركي الكبير ” أن حق التكلم من فوق هذه المنصة هو للامتين التركية والكردية ” . كما قال وزير الدفاع التركي عند إلقاءه خطاباً على قبر الجندي المجهول : ” اغلب الظن أن هذا الجندي هو كردي ” .

وخلاصة القول لقد شارك الكرد ومعهم أمين بروسك في حرب التحرير ضد الجيش اليوناني الذي عرف بالهجوم الكبير الذي أدى إلى سحق الجيش اليوناني وقتل منه نحو 12 ألف جندي .

ثورة الشيخ سعيد 1925 :

بعد أن تمكن مصطفى كمال من تحرير بلاده، أعلن قيام دولة تركيا الحديثة ذات الاتجاه الغربي العلماني، وقطع صلته بالإسلام وتراثه، وإلغاء الخلافة الإسلامية. وتنكر لحقوق الكرد، فكانت ردة الفعل قوية لدى الكرد نتيجة لهذا التحول الخطير، فأعلن الشيخ سعيد بيران في 7 آذار 1925 الثورة ضد مصطفى كمال، فتجمع حوله الكثير من المؤيدين الكرد ، فقام (أمين بروسك) بأخذ إجازة من عمله وانضم إلى صفوف الثورة، فقام اتاتورك بسحقها بلا هوادة وعلق قادتها على أعواد المشانق في ساحات ديار بكر ومن ضمنهم قائدها الشيخ سعيد، وأعلن اتاتورك جملة إجراءات لسحق تطلعات الشعب الكردي، فمنع التحدث باللغة الكردية، وأنكر وجود الكرد وسماهم ” أتراك الجبال “، ومنعهم من ارتداء زيهم الوطني، والتحدث بلغتهم، أو حتى إطلاق الأسماء الكردية على أولادهم.

وهكذا قلب اتاتورك للكرد ظهر المجن وتنكر لوعوده السابقة بإعطائهم الحكم الذاتي كما تعهد لهم به في مدينة ازميت عام 1923- كشف عن هذه الوثيقة في مجلة تركية عام 1988ـ والتي أكد فيها مصطفى كمال أن المجلس الوطني الكبير يتألف من الشعبين التركي والكردي، وانه يجب منح الحكم الذاتي للكرد في المناطق التي يشكلون فيها كثافة سكانية متميزة-

وقد هزت مأساة الكرد حينذاك زعيم الهند الكبير جواهر لآل نهرو فقال: ” عمد الترك إلى سحق الكرد الذين سعوا بدورهم إلى نيل حريتهم، ومن الغريب أن تنقلب الأمة المدافعة إلى قومية معتدية، ويقلب الكفاح من اجل الحرية إلى الكفاح من اجل التحكم بالآخرين” .

اللجوء إلى إيران :

استطاع ( أمين بروسك) النجاة من حبل المشنقة، والهروب إلى إيران ، وهناك تقمص شخصية رجل موسيقي يعزف على آلة العود من خلال تعاونه مع صديق إيراني من الكرد الفيلية عرفه سابقا يوم كان يعمل في طهران. وبعد مضي عام ونصف من إقامته هناك انكشف أمره لدى السلطات الإيرانية، فاستدعاه شاه إيران حينذاك ( رضا بهلوي ) واستفسر منه عن عدد الكرد؟ فأجابه على سؤاله، وذكر له أن هناك نحو مليون كردي يعيشون في إيران، ومن ضمنهم أسرتك آل بهلوي ( لم أتأكد من حقيقة ذلك ). وهنا أدرك الشاه خطورة كلامه، فأمره بالرحيل من البلاد على الفور، فتركها متوجها إلى الموصل في شمالي العراق، ومكث فيها قرابة العام والنصف أجرى خلالها العديد من الاتصالات مع الوطنيين الكرد في تركيا وحثهم على قتل الجواسيس والعملاء .

التخطيط لقتل مصطفى كمال :

غادر (أمين بروسك) الموصل قاصدا دمشق عام 1928 أو 1929، واخذ يخطط لاغتيال مصطفى كمال، فأستأجر سيارة أجرة بقيمة ( خمسين ليرة ذهب) حتى وصل إلى اسطنبول، وهناك أجرى بعض الاتصالات السرية مع الجنود الذين يعملون في حراسة اتاتورك وكان اغلبيتهم من الكرد الذين اختارهم سابقاً للعمل في حراسته يوم كان يعمل مرافقا عسكريا له، فقام المتعاونون معه بوضع قنبلة موقوتة في مقره لتنفجر تمام الساعة الرابعة في موعد يكون موجودا فيه, لكنه نجا من عملية الاغتيال بسبب عدم مجيئه في ذلك الوقت المحدد . فقامت السلطات التركية بأجراء تحقيق في الحادث أسفر عن معرفة أن ( أمين بروسك ) كان يقف خلفه. وأعلنت عن جائزة قيمتها أربعمائة ليرة ذهب لمن يمسكه حيا أو ميتا .

استطاع (أمين بروسك) الرجوع من تركيا إلى دمشق سالماً, وفي إحدى تنقلاته استطاعت دورية فرنسية في منطقة الجولان من القبض عليه وتسليمه إلى السلطات التركية, وقدم هناك إلى المحاكمة التي حضرها حشد كبير قدر بحوالي ألفي شخص، وأصدر عليه حكم الإعدام . وجرى إيداعه في سجن الأناضول ولم يمضي فيه قرابة الأربعة اشهر حتى قام مدير السجن بتسهيل هروبه بحكم الصداقة الودية التي كانت قائمة بينهما , فتوجه صوب إيران مرة ثانية , ثم لجأ إلى العراق, فسورية, حتى استقر به التطواف في الأردن .

اللجوء إلى الأردن :

دخل ( أمين بروسك) الأردن في حدود عام 1936، فأقام أولاً في مدينة اربد الواقعة شمالي الأردن, وتكنى بالشيخ احمد التركي, واخذ يلقي دروساً دينية في إحدى مساجدها القديمة, ثم انتقل إلى عمان, وهناك اخذ يعرف باسمه الحقيقي، وربما يرجع ذلك إلى وفاة مصطفى كمال اتاتورك , واطمئنانه إلى أن السلطات التركية لم تعد تلاحقه .

وفي أتون الحرب العالمية الثانية وقف الكثير من المثقفين العرب والمسلمين بجوار دول المحور( ألمانيا وإيطاليا ) نكاية ببريطانيا وفرنسا العدوتين التقليديتين للامة العربية والإسلامية آنذاك , وكان من بينهم ( أمين بروسك) الذي أجرى اتصالات سياسية بهذا الشان. وكان يأمل من دول المحور إذا حصل لها النصر من إعادة الخلافة الإسلامية إلى سابق عهدها حسبما كانت تتزعم ( ألمانيا ) هذا الرأي .

وقد شعرت السلطات البريطانية المستعمرة للأردن آنذاك بخطورة وجود العديد من المثقفين الوطنيين المؤيدين لدول المحور، فأودعتهم سجن المحطة في عمان .

وقام اللورد (كارنتن) وهو ضابط استخبارات لشؤون الشرق الأوسط بطلب مقابلة ( أمين بروسك) الذي كانت تربطه صداقة قديمة معه , وجرى بينهما الحوار التالي:

قال اللورد( كارنتن ) له:أنا قادم لاخبرك بأمرين من حكومة بريطانيا التي تعرضهما عليك ؟

الأول – التعاون مع بريطانيا ودول الحلفاء .

والثاني- إلقاء القبض عليك وإيداعك السجن, فأيهما تفضل يا صديقي ؟

فأجابه أمين بروسك : صحيح نحن أصدقاء , لكن مبادئنا مختلفة , أنني سأقف إلى جانب دول المحور لاعادة الخلافة الإسلامية إلى سابق عهدها.

لذا أمرت السلطات البريطانية من إيداعه سجن المحطة في عمان كسجين سياسي, وخصصت له غرفة خاصة, ومطبخ، وطعام خاص, وسيارة تخرجه إلى النزهة خارج السجن من حين إلى آخر . كما تعرف وهو في السجن على العديد من الشخصيات السياسية الأردنية, وأمضى فيه قرابة الخمس سنوات (1941-1945).

بعد خروجه من السجن اخذ يتعلم اللغة العربية على يد الأستاذ حسن البرقاوي حتى أتقنها قراءة وكتابة. وقام السيد علي الكردي –من كرد عمان- بإعطائه غرفة خاصة في فندقه المسمى ( اوتيل الملك غازي), وتكفل بنفقاته لمدة خمس سنوات تقديرا منه لهذا الضيف الكبير .

حوار يتحول إلى صداقة :

اخذ أمين بروسك يكتب بعض المقالات في الصحف الأردنية, ومن بينها مقال بعنوان:”عودوا إلى الشرق “. فما كان من السلطات التركية إلا تقديم الاحتجاج لدى الحكومة الأردنية حول ما جاء فيه . فقام الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك باستدعائه إلى الديوان, وعندما وصل أمين بروسك إلى الديوان مد يده لمصافحة الأمير، لكنه أعرض عنه، وقال له بلهجة فيها شيء من الغضب : ” أنت يا أمين جالس في ديارنا، وعليك احترام حق الضيافة, وأنت بكتاباتك هذه تسيء إلى علاقاتنا مع تركيا ؟ أو انك تخرج من هذه البلاد؟.

فأجابه أمين بروسك : ” بعد أذن مولاي أنت تقول لي أن هذه البلاد ليست بلدي ؟ أن هذه البلاد بلادي لأنها جزء من بلاد الإسلام الذي تمتد إليه تعاليمه السمحة, أما بموجب (معاهدة لوزان) فهي بلدكم, أما بخصوص تركيا التي أهاجمها كدولة صديقة لكم، فهناك فرق بيننا وبينكم ؟ فأنتم حاربتموهم وهم مسلمون, ونحن حاربناهم وهم مرتدون. فقال الأمير: ” هذا كردي مصيبة “. فقال أمين بروسك :” اللهم اجعلني مصيبة على الكفار وليس على المسلمين”.

بعد ذلك طلب الأمير ( مقالة) أمين بروسك واطلع عليها, وبعد أن أكملها ابتسم وانشرحت أساريره, ونهض من مجلسه وتقدم نحو أمين بروسك وقبله على جبهته، وقال له :” انك جريء ومخلص”. فقال أمين بروسك:” اللهم زدني جرأة وإخلاصا “. ثم تصافحا بحرارة، ومنذ تلك الحادثة نشأت بينهما علاقات متينة, فصار أمين يدخل إلى ديوان الأمير في أي وقت يشاء. ويلاعبه الشطرنج, وأحياناً كان الأمير يفضي إليه بأمور السياسة التي لا أحد يعرفها سواه .

تأييد ثورة مصدق:

قام مصدق بانقلابه المعروف على الشاه في إيران في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، وعمل على تأميم النفط الإيراني، فبعث إليه أمين بروسك برقية تأييد جاء فيها شعراً:

لقفت عصاك عصيهم فتصايحوا

لا سحر بعد اليوم أنت مصدقُ

بعد استقراره نهائياً في مدينة عمان عاصمة الأردن عمل على توثيق عرى الصداقة مع أهالي المدينة ومنهم الكرد على وجه الخصوص، وخلال نكبة فلسطين عام 1948 تبرع بمبلغ مادي إلى جموع اللاجئين الفلسطينيين، وتبنى طفلين فلسطينيين نكبتهم الكارثة، وبقي يشرف على تعليمهما وتربيتهما حتى بلغا مبلغ الرجال. ثم تزوج من أمراة فلسطينية من عائلة الدميري اصلها من مدينة الخليل، فأنجبت له ولدين وبنت، ومنهم الدكتور هاني أمين بروسك الذي رأس جمعية صلاح الدين الأيوبي الخاصة بكرد الأردن . أدركته المنية في عمان يوم 28 /2/1974 ودفن في عمان.

About

Here's a little about Amin Brosk.

Follow our updates on Twitter

Contact

Get in touch.

Email: info@AminBrosk.com
Phone: